على الرغم من كون الأخطاء والعيوب جزءًا أساسيًّا من التركيبة البشرية، إلا أن كثيرًا كثير من الناس يمقتون النقد، ويرونه كنوع من أنواع الإهانة والانتقاص. ولقد أمرنا الإسلام بالتناصح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكل تلك الأشياء تمثل نوعًا من أنواع النقد، فلماذا تحول النقد إلى جريمة؟. وما هو الشكل البنّاء الشرعي للنقد؟. هذا ما سنجيب عنه الآن في دراسة شاملة للنقد، وكل ما يتعلق به.
النقد في اللغة له معنيان: المعنى الأول: تمييز الجيد من الرديء، وهذا هو المفهوم الشرعي للنقد؛ فالنقد في الشرع يعني تفريق الخطأ عن الصواب، والثناء على الخير، ومدحه، وذم الشر، ونقده. أما المعنى الثاني للنقد فهو العيب والتجريح، وهذا المفهوم المذموم هو الغالب على أهل هذا الزمان؛ فالناس لا ينتقدون إلا من يبغضونه؛ سعيًا لإسقاطه، وليس سعيًا لتمييز الحق من الباطل. وهكذا يصير همهم جمع المثالب، والتقاط العيوب، على الرغم من تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "لا يكون اللعناء شفاعون، ولا شهداء يوم القيامة". واللعان هو الذي لا يعرف من الناس إلا موضع العيب؛ فكلما ذكر عنده شخص عابه، وإذا ذكر عنده شخص بمدح أو ثناء، بحث عن عيب يلصقه به، وكأنه لا يسره إلا ذكر الناس بالسوء، وهذا موجود عند كثير من الناس اليوم. ولا شك بأن النقد بهذا الشكل محرم، ويعتبر نوع من الغيبة؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" أتدرون ما الغيبة؟"، قالوا: " الله ورسوله أعلم"، فقال: "ذكرك أخيك بما يكره"، قيل: "أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟"، قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه"."، وهكذا فالحديث عن عيوب الناس إما أن يكون غيبة إذا كانوا يتصفون حقًا بتلك الصفات، أو أن يكون ظلمًا إذا كانوا أبرياءً من تلك العيوب، وقد نهانا الله تعالى عن الظلم في حديثه القدسي قائلًا:"يا عبادي، إني حرمّت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"، أي لا يظلم بعضكم بعضًا.
وهناك عدة تقسيمات للنقد؛ فهناك من يقسم النقد إلى: نقد عام، ونقد خاص. والنقد العام هو نقد المظاهر المنحرفة دون تخصيص، أو تسمية أصحابها، وفي القرآن كثير من هذا كقوله تعالى: "ومن الناس من يعبد الله على حرف"، وقوله تعالى: "ومنهم من يلمزك في الصدقات"، وقوله تعالى: "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن". أما النقد الخاص فهو نقد شخص بعينه، أو دولة بعينها، أو مؤسسة بعينها، وهذا النوع من النقد ضروري في بعض الأحيان؛ لأن النقد العام يتحدث عن مظاهر الانحراف بصفة العموم، وهكذا قد يظن كثير من الناس أنهم ليسوا المقصودين بهذا النقد؛ فيظلوا على حالهم وأخطائهم دون تغيير؛ لذا فهناك بعض الحالات التي يلزم فيها النقد الخاص الصريح. وهناك تقسيم آخر للنقد: إلى نقد الذات، ونقد الغير. ونقد الذات يعني أن يحاسب الإنسان نفسه بنفسه؛ فيكتشف أخطاءه، ويحاول إصلاحها، والتوبة عنها. والنقد الذاتي دليل على شجاعة الإنسان، وتحرره من عبوديته لنفسه، كما أن الإنسان - في بعض الأحيان - يكون أقدر على ملاحظة نفسه، وإدراك أمور قد تغيب عن الآخرين، كنواياه، ومقاصده، وخواطره السرية التي لا يملك الناس انتقاده فيها، ولكنه الوحيد الذي يملك القدرة على اكتشافها، وتصحيحها، بالإضافة إلى أن محاسبة الإنسان لذاته تجعله ينشغل بعيوبه عن عيوب الآخرين. أما عن نقد الغير فيعني نقد الآخرين سواء أشخاص أو مؤسسات أو دول. ولا بد أن يكون النقد بأسلوب مناسب، ولكن حتى لو كان بأسلوب غير مناسب، فهذا لا يمنع أبدًا من قبوله؛ فليس في مقدور الجميع إتقان قواعد النقد وأساليبه.
يجوز النقد شرعًا إذا كان بهدف النصيحة؛ فقد قال الله تعالى: "ليس على الضعفاء، ولا على المرضى، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله"، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة المؤمن"؛ فعندما يقف الإنسان أمام المرآة؛ فإنها تعكس صورته الحقيقية بما فيها من حسنات، وعيوب، وكذلك يحتاج المسلم إلى أن يرى نفسه في عيون أخيه المسلم؛ ليحصل على صورة موضوعية عن ذاته، وتلك هي أهمية النصيحة التي تعد نوعًا من أنواع النقد. كما يجوز النقد إذا كان بهدف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكما قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله". وقال تعالى أيضًا: "والمؤمنون، والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر". ولقد كان الصحابة يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يستثنون أحدًا من ذلك لا أميرًا، ولا مأمورًا، ولا كبيرًا، ولا صغيرًا. فنرى سيدنا (علي بن أبي طالب ) ينتقد سيدنا (عثمان بن عفان ) حين علم أنه نهى عن نسك التمتع في الحج - وهو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج، ويحل منها، ثم يحرم بالحج في سفرة واحدة - فقال (علي ) بأعلى صوته: "لبيك بحجة وعمرة"، وقال: "ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول أحد". وهكذا لم يجامل سيدنا (علي )، خليفة المسلمين (عثمان بن عفان )، ولم يستحي منه؛ لأنه يقول الحق، ويأمر بالمعروف، ويحيي سنة رسول الله.
ويستحب النقد أيضًا في حالة محاسبة النفس، حيث ينتقد الإنسان نفسه قبل أن ينتقده الأخرون، وتنتقد الجماعة نفسها بنفسها، وتنتقد الدول نفسها عن طريق إقامة مؤسسات، وأجهزة مهمتها المراقبة، والمراجعة، والتصحيح، وهذه المؤسسات موجودة بالفعل في المجتمع الإسلامي، ولكن أغلبها مؤسسات شكلية، إن لم تكن فاسدة. ومن يريد الإصلاح بشكل حقيقي؛ فيجب عليه انشاء مؤسسات حرة نزيهة تقوم بالمراجعة، والنقد، والتصحيح على الكبير والصغير دون أي حرج من هذا أو ذاك؛ حتى لا تستفحل الأخطاء بحيث يصعب بعد ذلك تصحيحها أو استدراك آثارها. وتكون محاسبة النفس إما سرًا أو علانية. ومما لا شك فيه أن المحاسبة السرية أبعد عن الرياء، لكن محاسبة الإنسان لنفسه علانية لها فوائدها أيضًا؛ حيث يعترف بخطأه، ويتوب عنه أمام الناس، وهكذا لن يتبعه أحد في هذا الخطأ، كما أنه يسن سنة حسنة بين الناس في الاعتراف بالخطأ، والرجوع عنه، وتصحيح أثاره، كما أنه باعترافه بخطأه علانية سيقطع الطريق أمام أي شخص يحاول استغلال هذا الخطأ؛ لتشويهه به، كما أنه يضع نفسه بذلك في مكانه الحقيقي كبشر يخطئ، ويصيب، وهكذا ينظر له الناس باعتدال دون أن يعتبرونه ملاكًا لا يخطيء، وهذا يحد من التعصب سواء التعصب لعالم، أو حاكم، أو كاتب، أو جماعة، أو غير ذلك. وقد قال سيدنا (عمر بن الخطاب ) عن محاسبة النفس: "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسَبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا"؛ ولذلك كان صحابة الرسول، والتابعين أشد الناس إيمانًا، وأكثرهم محاسبة لأنفسهم. أما الأن فنحن في غفلة شديدة، ومنا من هو غارق في الفسوق، والمعاصي دون أن يحاسب نفسه أو يراها مخطئة من الأساس.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان